الحسن الثاني… ملك ليس ككل الملوك

King Hassan II of Morocco addresses journalists during a press conference in November 1976 in Paris.

يعتبر الملك الراحل الحسن الثاني، الذي تحل ذكرى وفاته السنوية في يوليوز الجاري، من أقوى وأعظم الملوك العلويين الذين مروا في تاريخ المغرب الذي حكمه من 1961 إلى 1999.

تمتع الملك الحسن، منذ سنوات طفولته الأولى بحس نباهة وذكاء قوي جعلاه يساهم، إلى جانب والده، في حكم البلد واتخاذ قرارات هامة منذ عهد الحماية، إلى حين حصول المغرب على استقلاله، مما جعله يحظى باهتمام كبير من طرف المعمّرين الذين وجدوا فيه خليفة قويا لوالده وملكا ليس كباقي الملوك.

منذ تولى عرش المملكة، وهو يسعى نحو الإصلاحات ونهضة بلده، سواء على مستوى بناء السدود وتشجيع الاستثمارات بعد اختياره للمعسكر الرأسمالي وتجنده إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد روسيا والمعسكر الاشتراكي، أو على مستوى توحيدها واستكمال وحدتها الترابية. ولعل “معجزة” المسيرة الخضراء، لخير دليل على دهائه وحنكته السياسية التي لا تتكرر. كان أيضا حريصا على إشاعة ثقافة التسامح والحوار، خاصة مع مواطنيه من اليهود المغاربة، كما كان استقرار البلد أولوية الأولويات بالنسبة إليه.  

عانى الحسن الثاني من ظلم المقربين وغدر الأصدقاء. ووقع ضحية انقلابين كادا يوديا بحياته لولا لطف الأقدار و”البركة” التي يتمتع بها، والتي تحدث عنها في العديد من استجواباته وحواراته ومذكراته.

كانت لشخصية الحسن الثاني كاريزما ورهبة وهيبة تفرض نفسها على كل من حوله. كان يخاطب الشعب مثل أبنائه. وكان هو ينتظر خطبه التي تبث على التلفزيون الرسمي على أحر من الجمر، ليعرف ماذا سيقول الملك وماذا يرتدي وأي سيجارة يدخن… فقد كانت كل حركاته وسكناته محل اهتمام المغاربة جميعا، بمختلف فئاتهم الاجتماعية.

وإضافة إلى ثقافته الواسعة التي كانت تحظى بإعجاب جميع ضيوفه، وحبه للفنون والرياضات، كان الحسن الثاني يتمتع بأناقة عالية يحسدها عليه ملوك ورؤساء الدول. كان يحب “الستيل” الإيطالي الراقي، وكان مصمم أزيائه المفضل فرانسيسكو سمالتو.

عاش الحسن الثاني عظيما ومات كذلك. فجنازته المهيبة، حضرها جميع رؤساء وقادة الدول تقريبا وحج إليها المغاربة من مختلف مدن المملكة. وكانت الجنازة الوحيدة التي تزاحم فيها بيل كلينتون، رئيس أقوى دولة في العالم، مع حوالي مليوني شخص من أبناء الشعب، في غياب أي خطة أمنية محكمة، كما كانت الجنازة الوحيدة التي جمعت الصديق والعدو والفلسطيني والإسرائيلي الذين تعالوا على كل الخلافات ليبكوا رحيل ملك ليس ككل الملوك، سيخلده التاريخ إلى أبد الآبدين. 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*