بوريس توليدانو… حكيم الطائفة

يعتبر الراحل بوريس توليدانو، الرئيس السابق للطائفة اليهودية بالدار البيضاء، من أهم الشخصيات اليهودية المغربية، التي تحظى باحترام اليهود والمسلمين بالمملكة، والتي لا زالت ذكراه عابقة في الأذهان والنفوس والقلوب، لكل ما قدمه لبلده وطائفته، لذلك لم يكن مستغربا أن يشيع جنازته عدد كبير من المسؤولين وكبار رجالات الدولة، وعلى رأسهم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، في خطوة لها أكثر من دلالة على ما قام به الرجل في سبيل التعايش بين الأديان والتسامح بين المسلمين واليهود في هذا المغرب الاستثنائي.

يحكي المقربون منه أنه كان رجلا عظيما ظل إلى آخر نفس في حياته وفيا لبلده وللعرش العلوي المجيد، وتحت تصرف جميع أبناء طائفته الذين كان يمد لهم يد المساعدة كلما احتاجوها. أو مثلما يصفه صديقه سيرج بيرديغو، والذي شغل نفس منصبه بعد وفاته، ب”حكيم الطائفة” التي ترأسها لمدة 40 سنة، خاض فيها لصالحها العديد من المعارك وقام بالعديد من المبادرات الخيرية وأعاد خلالها إحياء التراث اليهودي المغربي من خلال إعادة ترميم العديد من المقابر والأضرحة وتشجيع “الهيلولة” وبناء المدارس وغيرها من الأعمال التي ستكتب في ميزان حسناته، والتي جعلت الملك محمد السادس يوشحه في 2006 بوسام العرش، الذي ظل يعتبره أغلى ما عنده.

ينحدر توليدانو، الذي ولد سنة 1921 بالعرائش، من عائلة يهودية معروفة. والده كان رجل دين. أما والدته، فمن يهود الأندلس، الذين لجؤوا قبل قرون إلى المغرب هربا من محاكم التفتيش. “لقد كان متواضعا. ولد الناس وكبر فالخير. كان يساعد الفقراء والمساكين ويقضي للناس حوائجهم. لقد كان بمثابة والد لجميع اليهود المغاربة”، يقول بعض أفراد الطائفة الذين عاشروه وعرفوه عن قرب.

هاجر توليدانو في شبابه من أجل الدراسة في إسبانيا. وهناك، التحق بجيش فرانكو وحارب إلى جانبه قبل أن يهرب إلى المغرب حين شعر بأن القضية لم تكن قضيته. وفي الدار البيضاء، حيث انطلق في الأعمال والتجارة، حارب المستعمر وعرف بأعمال الخير وبمد يد المساعدة إلى المعوزين والفقراء، وبالعمل المستمر والتفاني في خدمة أبناء طائفته، إلى أن وافته المنية عن سن يناهز 97 سنة.

وقد صدق أندري أزولاي، المستشار الملكي، حين قال عنه في تصريح صحافي بعد وفاته ” لقد توفي توليدانو كما عاش في سلام، وربما نكون قد فقدنا أفضل شخص بيننا، فهو آخر جيل استثنائي للمغاربة اليهود. بدأ مناضلا ضد الاحتلال الفرنسي، واستمر يعمل من أجل اندماج اليهود المغاربة في النسيج المغربي”.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*