جامع لفنا… الساحة الأسطورية

إذا كانت باريس مشهورة ببرجها “إيفل”، فإن مراكش اكتسبت شهرتها من خلال ساحة “جامع لفنا” الأسطورية، التي جعلت من عاصمة المرابطين مدينة ساحرة، لا يقوى على إغوائها أعتى الزهاد والعاشقين المحصنين. 

يعود تاريخ الساحة إلى قرون خلت. ولا يعرف أحد لماذا سميت بذلك الاسم لاختلاف روايات المؤرخين. منهم من يقول إن الساحة استمدت تسميتها من الفناء (وسط المنزل أو وسط المدينة) لأنها الفضاء الذي كان يتجمع فيه الزائرون للمدينة لموقعه الاستراتيجي القريب من جميع مداراتها، ومنهم من يقول إنها الساحة التي كانت تتجمع فيها الجيوش في عهد الدولة المرابطية قبل الانطلاق إلى حروبها، ومنها انطلق القائد العظيم يوسف بن تاشفين نحو معركة الزلاقة الشهيرة التي دحر فيها جيوش الإسبان، وقائل إن الساحة سميت باسمها في عهد السلطان السعدي أحمد المنصور الذي أراد أن يبني فيها جامعا اسمه “جامع الهنا”، قبل أن يعم وباء المنطقة ويهلك أهلها جميعا ليتحول الاسم إلى جامع الفنا. أما الرواية الأقرب إلى العقل والمنطق، والتي يميل لها الكثير من الباحثين في تاريخ المدينة، فهي أنها كانت ساحة مخصصة لقطع رؤوس المعارضين والخائنين وتنفيذ الإعدام في المارقين.

تعتبر ساحة جامع لفنا، التي يقصدها السياح من كل حدب وصوب من جميع بلدان العالم، فضاء ثقافيا وتجاريا وسياحيا وتراثيا بامتياز. ففيها تجمع كبير لمختلف الأسواق الشعبية من بائعي “البلاغي” إلى بائعي مختلف أنواع الزيتون والنعناع، إضافة إلى المقاهي والمطاعم الشعبية البسيطة التي تفتح أبوابها بعد أن يرخي الليل سدوله، وتظل مفتوحة إلى ساعات متأخرة منه، كما أنها فضاء تمارس فيه جميع أنواع الفنون، بدءا من الرقص، وصولا إلى فن “الحلقة” الذي تخرج منه حكواتيون لا يشق لهم غبار ، من بينهم من أصبح نديما للملك الراحل الحسن الثاني وشقيقه المغفور له مولاي عبد الله، ناهيك عن “السحرة” ومروضي الثعابين والقرود و”الشوافات” و”الحنايات”.

تستقطب الساحة أكثر من مليون سائح كل سنة وتقدم حوالي عشرة آلاف وجبة يوميا للزائرين. وقد كانت ستتعرض للتهديم بعد أن طمع فيها مجموعة من المستثمرين أرادوا أن يحولوها إلى متاجر وعمارات شاهقة، قبل أن يقف لهم الكاتب الإسباني الراحل خوان غويتيصولو بالمرصاد، والذي كان يعشق المدينة ويقيم فيها منذ سنوات، وإليه يعود الفضل في تسجيل ساحة جامع لفنا ضمن التراث الإنساني اللامادي من طرف منظمة يونيسكو.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*