قصبة الأوداية… معلمة تاريخية من عهد المرابطين

كانت قصبة الأوداية عبارة عن قلعة حصينة، تم تشييدها في عهد المرابطين من طرف يوسف بن تاشفين، لدرء هجمات البرغواطيين، قبل أن يتم تشييد الرباط سنة 1140 في عهد الأمير تاشفين بن علي، الذي حمل اسم قصر بني تاركة. سميت كذلك ب”المهدية”، حين استولى عليها الموحدون، تسمنا باسم قائدهم وزعيمهم الروحي المهدي بن تومرت.

وتشير العديد من المصادر التاريخية أن القصبة ظلت مهملة فترة طويلة قبل أن يسكنها الموريسكيون الحرناشيون، المطرودون من الأندلس، لتحمل في عهد العلويين اسم “الأوداية”، نسبة إلى القبيلة الصحراوية التي استقرت بها، بعد استقدام أفرادها للانخراط في الجيش.

تأسست القصبة سنة 1150 على يد مؤسس الدولة الموحدية السلطان عبد المؤمن بن علي الكومي، لتكون حصنا للرد على هجمات القراصنة المتربصين بالسواحل المغربية، وفضاء لإيواء الجنود قبل نقلهم إلى الأندلس من أجل الحرب. كما جعلت القلعة سجنا مدة قرون قبل أن يتم ترميمها مع بداية القرن العشرين، لتصبح اليوم منطقة سياحية، وواحدة من أهم المعالم التاريخية بالعاصمة الرباط، وبالمملكة المغربية عموما، أضيفت إلى قائمة التراث العالمي لمؤسسة اليونسكو في 20 يوليوز 2006.

تقع قصبة الأوداية وسط العاصمة الرباط. بنيت على جرف صخري مرتفع يطل على نهر أبي رقراق. يحيط بها سور عال يطلق عليه “السور الموحدي”، به مدافع بارود تقليدية كانت ترصد سفن العدو، ولها بوابة ضخمة تشكل مدخلا لحي سكني منازله ما زالت تحافظ على هويتها العربية الأندلسية التي تتجلى في انتشار اللونين الأبيض والأزرق وفي النوافذ الصغيرة والشرفات الضيقة والأزقة. وتضم القصبة مسجدا كبيرا يعرف تاريخيا باسم “الجامع العتيق”، وهو أول مسجد بني بالرباط عام 544 للهجرة. كما تحتوي على حدائق فسيحة وشاسعة صممت على الطراز الأندلسي يطلق عليها سكان القصبة “الرياض”، وهي مكونة من الأشجار والنخيل والورود والنافورات والبرك المائية، إضافة إلى متحف لمنتجات الصناعة التقليدية والحلي والمجوهرات والآلات والأسلحة، يعود إلى عهد المولى اسماعيل العلوي.

وتعتبر الأوداية، التي تحولت قصبتها إلى رواق للفن التشكيلي، وأصبحت تحتضن اليوم أنشطة ثقافية وفنية، المكان المفضل للعديد من الفنانين والأدباء المغاربة والأجانب الذين اختاروا الاستقرار بها، كما أنها فضاء نموذجي لعدد من المخرجين المغاربة والأجانب لتصوير أفلامهم السينمائية، خاصة التاريخية منها.

1 Comment

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*