إنه مبتكر مصطلح “العقل المستقيل”، وهو القائل بأن العقل العربي يحتاج اليوم إلى إعادة ابتكار، والمهووس بفهم وتفكيك بنية العقل العربي، إلى درجة إصدار أربع كتب حوله هي “تكوين العقل العربي” و”بنية العقل العربي” و”العقل السياسي العربي” و”العقل الأخلاقي العربي”، وواحد من أكبر المتخصصين في فكر وفلسفة ابن رشد.
ولا شك أن القارئ سيفطن إلى أن حديثنا هو عن محمد عابد الجابري، المفكر والفيلسوف المغربي، والقامة الفكرية العربية التي أثارت بمؤلفاتها الكثير من الانتقادات والجدل.
ولد الجابري سنة 1935 وتوفي في 2010. وظل طيلة أكثر من سبعين سنة من حياته، منشغلا بالدراسة والتحليل والبحث، كانت حصيلتها 30 مؤلفا في قضايا الفكر المعاصر، أهمها “نقد العقل العربي” الذي ترجم إلى عدة لغات.
ولد الجابري وترعرع في مدينة فكيك، بالجهة الشرقية، على الحدود المغربية الجزائرية. نشأ في بيت جده وأخواله، في بيئة متدينة، بعد انفصال والدته عن والده وهو في سن صغيرة، لذلك كان من الطبيعي أن يدخل “المسيد” ويحفظ القرآن مثل أقرانه، خاصة بعد أن تزوجت والدته بشيخ كتاب، قبل أن ينقله عمه إلى مدرسة فرنسية، مكث فيها مدة سنتين، رغم أن التعليم في المدارس الفرنسية كان منبوذا في ذلك الوقت، نظرا لارتباطها بلغة المستعمر الفرنسي وثقافته.
سيلتحق الجابري بعد ذلك بمدرسة النهضة المحمدية، التي لم تكن تخضع لسلطات الحماية، وكانت معربة ويشرف عليها رجالات الحركة الوطنية، قبل أن يكمل تعليمه في الرباط، إلى حين الحصول على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة سنة 1967 ودكتوراه الدولة في الفلسفة من كلية الآداب بالرباط سنة 1970، وهي الكلية نفسهاالتي سيعمل فيها أستاذا لمادة الفلسفة والفكر العربي الإسلامي، بعد أن اشتغل فترة معلما لمرحلة الابتدائي.
استهوته السياسة فترة من الزمن، فالرجل كان مع المقاومة ضد المستعمر الفرنسي ثم انضم إلى حزب الاتحاد الاشتراكي وكان عضوا بارزا ومهما في مكتبه السياسي لسنوات، كما مر بتجربة الاعتقال أكثر مرة، قبل أن ينجذب نحو العقل العربي ليحلله ويفككه وينقده.
أثارت مؤلفات الجابري وأفكاره الكثير من اللغط حولها سواء من داخل المغرب أو خارجه. اتهمه الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمان بالتزييف وشكك في مراجعه، في حين خصص الكاتب السوري جورج طرابيشي سنوات من عمره لدراسته والرد عليه ب”نقد نقد العقل العربي”، في حين ظل هو مستمرا في الإنتاج، لا مباليا بالنقد والتشكيك، متعاليا عن الرد والإجابة.
أثرى الجابري الخزانة الوطنية والعربية بمجموعة من الكتب والمؤلفات والإصدارات الوازنة، أشهرها “نحن والتراث” و”مدخل إلى القرآن” و”مدخل إلى فلسفة العلوم” و”وحدة المغرب العربي” و”الديمقراطية وحقوق الإنسان” و”الدين والدولة وتطبيق الشريعة”…. وغيرها.
قم بكتابة اول تعليق