محمد الحياني… عندليب المغرب

يكاد الجمهور المغربي يجمع على حب واحترام الفنان الراحل محمد الحياني، سواء من الناحية الفنية، أو على المستوى الإنساني، خاصة أنه غادر الحياة في عز الشباب وأوج العطاء والإبداع، وعمره لم يكن يصل إلى الخمسين بعد. كما يكاد الجميع يحفظ عن ظهر قلب أغانيه الشهيرة “راحلة” و”من ضي بهاك” و”بارد وسخون”، ويطرب لها.

إنه واحد من رواد الأغنية المغربية أيام الزمن الجميل، والفنان الذي وضع بصمته الخاصة والمتميزة على تاريخها باختياراته الغنائية الجميلة وصوته الحساس العذب وتواضعه ونبل أخلاقه، إلى أن أصبح أسطورة فنية وغنائية، هو الذي كان المطرب المفضل للملك الراحل الحسن الثاني الذي أطلق عليه لقب “عندليب المغرب”، وكان يفتخر به أمام صديقه العندليب الأسمر الفنان المصري عبد الحليم حافظ.

ولد السي محمد بمدينة الدار البيضاء سنة 1947، وأمضى سنوات طفولته الأولى بحي درب السلطان قبل أن ينتقل إلى حي أكدال بمدينة الرباط، حيث عاش رفقة أخته الكبرى فاطنة، التي كانت داعمته ومشجعته الأولى، والتي ساعدته على الالتحاق بالمعهد الوطني للموسيقى في العاصمة، منذ أن اكتشفت شغفه بالفن والغناء منذ سنوات طفولته الأولى، إلى درجة إهمال دراسته والانقطاع عنها في المرحلة الابتدائية.

تتلمذ الحياني في المعهد على يد أساتذة كبار من طينة الموسيقار عبد القادر الراشدي الذي كان من أشد المعجبين بصوته، قبل أن يلتحق بالإذاعة الوطنية سنة 1964 ثم ب”كورال” الجوق الوطني، لكن الفضل في ولوجه الغناء بشكل رسمي يعود للزجال وكاتب الكلمات علي الحداني، الذي كتب له كلمات أولى أغانيه “غياب الحبيب”، التي لحنها حميد بنبراهيم، عازف الناي الشهير بالجوق الوطني.

سينتشر اسم الحياني ويدخل نادي الكبار حين غنى رائعته “بارد وسخون يا هوى”، التي لحنها له الأستاذ حسن القدميري وكتب كلماتها الحداني، ثم “يا سيدي أنا حر”، التي عاود فيها التعاون مع نفس الثنائي المبدع، و”وقتاش تغني يا قلبي”، التي أداها في فيلمه السينمائي “دموع الندم”، الذي لعب بطولته إلى جانب حمادي عمور وحبيبة المدكوري. لكن نقطة التحول الكبرى في مساره الفني ستكون من خلال أغنيته “من ضي بهاك” سنة 1968 التي مدح فيها الرسول محمد، وهي من ألحان الموسيقار عبد القادر الراشدي وكلمات علي الصقلي، ثم برائعته “راحلة” التي أطلقها سنة 1970، (كلمات عبد الرفيع الجواهري وألحان عبد السلام عامر)، والتي توجته ملكا على عرش الأغنية المغربية، بلا منازع.

كان الحياني مقلا في إنتاجه الفني لأنه كان حريصا جدا على دقة وجودة اختياراته، كما كان زاهدا في الشهرة والمال. ورغم أن مساره الفني جاوز الثلاثين سنة، إلا أن الجمهور لا يتذكر له سوى بعض الأغاني القليلة المحسوبة على رؤوس الأصابع، لكن بفضلها دخل قلوب المغاربة ولم يخرج منها إلى الأبد، منها، إلى جانب أغانيه الأخرى الشهيرة، أغنية “مستحيل” و”دنيا” و”نتي ليا وانا ليك” و”ياك الجرح برا” “راضي بالكية” و”غابو لحباب” و”لا سماحة يا هوى” و”قصة الأشواق”…

توفي السي محمد الحياني بتاريخ 23 أكتوبر 1996، بعد معاناة طويلة مع المرض الخبيث، تاركا غصة في قلوب معجبيه ومحبيه، وعلى رأسهم الملك الحسن، الذي يقال إنه حين سمع الخبر، علّق قائلا ودموعه تحتبس في عينيه “مات ابني”، بعد أن تكفل بجميع مصاريف علاجه في فرنسا طيلة سنوات.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*