عبد القادر الراشدي: سيد “الميازن”

ولد الموسيقار الكبير عبد القادر الراشدي سنة 1929 بمدينة فاس، لوالدة من أشهر “الحضارات” في المدينة، وتربى وسط عائلة تشربت أصول الفن وموسيقى عيساوة وجيلالة، وتأثرت بحلقات الذكر وجلسات الزوايا، لذلك كانت أعماله، خاصة الدينية منها، لا تخلو من نفس صوفي. 

عشق الراشدي “الميازن” والإيقاعات المغربية، ويكاد يكون قد وظفها جميعها في أغانيه، لذلك لم يكن غريبا أن يلقبه النقاد والفنانون من أبناء جيله ب”سيد الميازن”. 

بدايته الفنية كانت من العاصمة الرباط، التي رحل إليها في سن صغيرة. وبالضبط من مقهى لعلو الذي كان يتردد عليه جميع الموسيقيين، وهو المقهى نفسه الذي تعرف فيه على الزجال الشهير أحمد الطيب لعلج، الذي لازمه مدة طويلة. في تلك الفترة، التي كان فيها المغرب لا يزال خاضعا لنظام الحماية الفرنسية، كون فرقته الوطنية رفقة فنانين آخرين من بينهم أحمد البيضاوي وصالح الشرقي وعبد النبي الجيراري، وركز خلالها على الأغاني الوطنية، من أشهرها قطعته المعروفة ب”نشيد العودة”، التي لحنها بمناسبة عودة الملك محمد الخامس من المنفى. 

بعد استقلال البلد، سينضم إلى الفرقة فنانون آخرون مثل محمد بن عبد السلام وعبد الرحيم السقاط والمعطي بلقاسم، قبل أن يساهم الموسيقار الكبير في تكوين فرق ومجموعات فنية أخرى مثل فرقة المتنوعات وجوق طنجة وجوق مكناس الإسماعيلية، والتي تخرج منها فنانون أصبحوا رواد الأغنية المغربية العصرية مثل عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط وعبد الواحد التطواني وغيرهم. 

تتلمذ الراشدي على يد موسيقار مصري يدعى مرسي بركات، كان السلطان محمد الخامس قد كلفه بتكوين العديد من الموسيقيين في سنوات الأربعينات، وانفتح على جميع الألوان الطربية والشرقية، كما كان متأثرا بأعمال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، لكنه لم يتنكر لثقافته الموسيقية المغربية، التي كانت حاضرة بقوة في إبداعاته، واستطاع إيصالها خارج أرض الوطن. ولعل معزوفته الرائعة والشهيرة “رقصة الأطلس” كانت خير دليل على ذلك، بعد أن وصل صيتها إلى مصر والخليج، وحتى الصين. 

تعامل الراشدي مع العديد من الفنانين المغاربة الذين منحهم أجمل الألحان، وكانت بصمته واضحة جدا في أغانيهم، من بينهم سميرة سعيد، التي لحن لها قطعة “يمكن فايت لي شفتك”، ونعيمة سميح التي غنت من ألحانه مجموعة من أروع أغانيها مثل “على غفلة” و”جاري يا جاري” و”أمري لله”، ولطيفة رأفت التي لحن رائعتها “مغيارة”، إلى جانب أغنيتي “خيي” و”دنيا”. كما لحن العديد من الأغاني الدينية الناجحة، من بينها “من ضي بهاك” لمحمد الحياني و”يا محمد يا شفيعنا الهادي” لإسماعيل أحمد و”يا أكرم الخلق” للمعطي بلقاسم… 

توفي الراشدي سنة 1999، تاركا في خزانة الأغنية المغربية أكثر من 300 قطعة، توجته رائدا ورمزا هاما من رموز الحركة الفنية في المغرب. 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*