رزئت الطائفة اليهودية بفاس ووجدة وصفرو، بوفاة رئيسها أرمون غيغي، الذي يحظى باحترام وتقدير كبيرين من سكان مدينة فاس، التي عاش وترعرع فيها وأبى إلا أن تفارق روحه الجسد، بين أسوارها العتيقة.
ولد غيغي بالعاصمة العلمية للمملكة سنة 1934. درس بالمدرسة اليهودية لفاس إلى المرحلة الثانوية قبل أن يغادرها نحو فرنسا حيث استكمل دراساته العليا بإحدى جامعات باريس، ثم يعود إلى المغرب، وطنه الأم، حيث اشتغل طبيبا للقوات المسلحة الملكية، ومارس مهنة الطب في عدد من المستشفيات العمومية للمملكة، قبل أن يفتح عيادته الخاصة التي كان يستقبل فيها جميع الفئات الاجتماعية، حيث كان الجميع، أغنياء وفقراء، يحظون بنفس التعامل ونفس الرعاية.
عرف غيغي، الذي انتخب على رأس الطائفة اليهودية بفاس سنة 1988، بأعماله الخيرية الكثيرة التي كان يستفيد منها فقراء المدينة والمدن المجاورة. كما كان صاحب العديد من المبادرات والحملات الخيرية التي استفادت منها مجموعة من دور الأيتام والمراكز الاجتماعية للمدينة، وكان الجميع، يهودا ومسلمين، يشهدون له بحسه الإنساني الرفيع. لذلك كانت وفاته بالنسبة إليهم فقدانا كبيرا لرجل عظيم من طينة خاصة جدا.
كان الراحل شديد الاهتمام أيضا بالثقافة والتراث اليهودي المغربي، وكان بصدد الإعداد لمشروع متحف يهودي خاص بمدينة فاس، بشراكة مع صديقه المهدي قطبي، رئيس المؤسسة الوطنية لمتاحف المغرب، قبل أن يدركه الموت، كما كان وراء إعادة ترميم العديد من المقابر والمعابد اليهودية بفاس، ووراء تنظيم العديد من التظاهرات الثقافية في المدينة، التي تنتصر لروح التسامح والتعايش التي وسمت العلاقة بين اليهود والمسلمين بالمغرب.
عرف الرجل أيضا بحبه الكبير لبلده المغرب وبإخلاصه للعرش العلوي، وهو ما دعا جلالة الملك محمد السادس، إلى بعث تعزية رسمية إلى أسرة الراحل، عدد فيها العديد من مناقبه.
دفن أرمان غيغي، الذي غادرنا عن سن تناهز 85 سنة، بالمقبرة اليهودية بملاح فاظ. وشيع جثمانه بحضور شخصيات بارزة، على رأسها عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، وسيرج بيرديغو، سفير صاحب الجلالة ورئيس الطائفة اليهودية الدار البيضاء وأمين عام مجلس الطوائف اليهودية بالمغرب، وزينب زنيبر، والية جهة فاس مكناس، وإدريس الأزمة الإدريسي، عمدة المدينة، التي كانت تحتضن في الأربعينات، حوالي 30 ألف يهودي مغربي.
قم بكتابة اول تعليق