“الحريرة”… سيدة مائدة رمضان بامتياز

رغم تحذير العديد من خبراء التغذية والمختصين من شرب “الحريرة”، معتبرين أنها “ثقيلة” وضارة بالمصارين وتؤثر سلبا على المعدة وعلى عملية الهضم، إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تكون سيدة مائدة رمضان بامتياز، فالمغاربة لا يتخلون عن تحضيرها خلال الشهر الكريم، حتى ولو لم يتناولوها، فرائحتها النفاذة تنبعث من كل البيوت وحضورها قوي بين جميع الأطباق التقليدية. 

يستهلك المغاربة “الحريرة” على طول شهور السنة، خاصة في فصل الشتاء، لكنها تعتبر الطبق الرئيسي في مائدة رمضان، منذ زمان، حين كان الجدود والأسلاف يستعينون بها على تحمل ساعات الصيام، خاصة في البرد، نظرا لأنها من الأطباق المكثفة التي تحتوي على أكبر قدر من العناصر الغذائية الهامة، مثل العدس والحمص والدقيق والطماطم والأرز واللحم وغيرها. وهي العادة التي حافظت عليها الأجيال رغم تغير العادات والثقافات. 

تختلف طريقة تحضير “الحريرة” من منطقة إلى أخرى في المغرب، لكنها تحتفظ دائما بنفس المقادير ونفس اللذة، مع تغيير بسيط في بعض التفاصيل، كأن يضع البعض فيها الدجاج بدل اللحم أو “الفرميسيل” بدل الأرز أو يضيف إليها البيض. نفس الشيء ينطبق على اسمها، فهي “تاحريرت” و”الحسوة الحمرة” و”بوفرتونة” مثلما يسميها أهل الرباط وفاس، وهو اسم مشتق من العبارة الإسبانية، “بوينا فورتونا”، وتعني الحظ الجيد. لذلك يتفاءل بها المغاربة كثيرا، ويقدمونها للمدعوين إلى أعراسهم، في نهاية الفرح، بعد مغادرة العرسان، كما يعدونها لهم ل”الصباحية”، وتقدم في حفلات الإعذار (الختانة)…

يترافق تقديم “الحريرة”، خاصة في رمضان، مع طقوس معينة. إذ تقدم مرفقة بالتمر والبيض وقطعة حامض وب”الشباكية” و”السفوف” أو “سلو” و”الزميطة” وب”المسمن” بالعسل، وهي كلها أطباق رمضانية بامتياز. 

تعددت الروايات والمصادر التاريخية حول أصل “الحريرة” بين قائل إنها حساء أندلسي في الأصل، وصل إلى منطقة شمال إفريقيا، قبل سقوط الأندلس، في الوقت الذي يؤكد آخرون أنها أمازيغية الأصل. كما ورد ذكرها في العديد من الكتب المشرقية وعند ابن بطوطة وابن زهر.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*