أبراهام السرفاتي أشهر من نار على علم. مناضل كتب التاريخ اسمه بمداد من ذهب، بعد كل ما قدمه من أجل نصرة قضيته ومبادئه، التي دفع ثمن الإيمان بها سجنا وتعذيبا وغربة.
ولد أبراهام ألبير السرفاتي سنة 1926 لعائلة برجوازية. كان والده ينتمي إلى الحركة الماسونية كما انخرط في الحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، ولم يأل جهدًا ليعيش أبناؤه ميسوري الحال، لكن ذلك لم يمنع ابنه من التعاطف مع طبقات العمال والكادحين والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم.
ينتمي السرفاتي لعائلة يهودية مغربية تعود أصولها إلى الأندلس. هاجر جدوده هربا من محاكم التفتيش ليستقروا بمدينة طنجة، شمال المغرب، لكن كتب له أن يرى النور بمدينة الدار البيضاء.
درس السرفاتي بثانوية ليوطي الشهيرة بالعاصمة الاقتصادية، والتي كانت تدرس أبناء النخبة المغربية والفرنسية، حيث حصل على الباكالوريا في الفلسفة والرياضيات سنة 1937، قبل أن يسافر إلى باريس للالتحاق بالمدرسة الوطنية العليا للمعادن بباريس، والتي كان أول مغربي يتخرج منها بدبلوم في الهندسة المدنية للمعادن، ليصبح بعد ذلك واحدا من أهم الكفاءات المغربية في مجال المناجم، مما أهله لشغل العديد من المناصب المهمة أثناء عودته إلى بلده، سواء في إدارة مناجم الفوسفاط أو من خلال تعيينه سنة 1958، مكلفا بديوان عبد الرحيم بوعبيد، الزعيم للاشتراكي الذي كان يشغل آنذاك وزيرا للاقتصاد الوطني.
انضم السرفاتي للشبيبة الشيوعية سنة 1944. وبعدها إلى الحزب الشيوعي الفرنسي أثناء دراسته في باريس، ليلتحق بعد عودته إلى المغرب بالحزب الشيوعي المغربي الذي ناضل فيه إلى نهاية سنوات الستينات، قبل أن يستقيل منه لاختلاف في المواقف، ويؤسس رفقة مجموعة من رفاقه السابقين منظمة “إلى الأمام”، إلى جانب إصدار مجلة “أنفاس” ذات التوجه اليساري المعارض، إلى جانب صديقه الشاعر والكاتب والمناضل عبد اللطيف اللعبي.
دفع السرفاتي ثمن مواقفه المعارضة للنظام القائم آنذاك في المغرب، سنوات من السجن والاعتقالات، قبل أن يتم إبعاده إلى فرنسا، حيث عاش فيها سنوات طويلة كلاجئ سياسي، قبل أن يعود إلى المغرب بتعليمات من جلالة الملك محمد السادس، في بدايات حكمه، الذي أعاد إليه اعتباره وجواز سفره المغربي ومنحه منصب مستشار لدى المكتب الوطني للأبحاث والتنقيب عن النفط.
أصدر السرفاتي عددا من المؤلفات، تحدث فيها عن سنوات عمله السري واعتقاله، من بينها “في سجون الملك” الذي أصدره سنة 1992 و”المغرب باللون الأسود والرمادي” سنة 1998 و”العاصي: يهودي، مغربي، ومتمرد”، الصادر سنة 2001، كما سبق أن نشر سنة 1993، كتابًا مشتركًا تحت عنوان “ذاكرة الآخر”، مع رفيقته في الحياة وفي النضال كريستين دور السرفاتي، الفرنسية التي كانت تدرس التاريخ والجغرافيا بثانوية محمد الخامس بالدار البيضاء، والتي طردت من المغرب سنة 1976، بسبب نضالها السياسي.
ظل السرفاتي، الذي يلقبه البعض بمانديلا المغرب، ويناديه المقربون “ديدي”، ويطلق عليه رفاق السجن “الشيباني”، وفيا لمبادئه التي رفض أن يتقاضى عنها تعويضًا من هيأة الإنصاف والمصالحة، على غرار العديد من المعتقلين السياسيين السابقين، إلى حين وفاته في مراكش سنة 2010، متأثرا بمرض الزهايمر وبفشل كلوي.
قم بكتابة اول تعليق