ليلى مراد… السندريلا المظلومة

كثيرون لا يعرفون أن الفنانة المصرية الراحلة ليلى مراد يهودية مغربية، تعود أصول عائلتها إلى مدينة مكناس، قبل أن تنتقل إلى الدار البيضاء. أما والدها زكي مراد، فهاجر مبكرًا المغرب نحو مصر، حيث عاش سنوات في الإسكندرية، مسقط رأس ابنته ليليان، التي ستصبح ليلى فيما بعد، قبل أن تنتقل الأسرة إلى القاهرة. 

هناك اختلاف حول تاريخ ولادة الفنانة ليلى مراد. فهو عام 1921 في عقد زواجها، وعام 1919 حسب جواز سفرها، وعام 1916، حسب ما ذكر في شهادة الوفاة، لكن لا اختلاف طبعا حول موهبتها الربانية وصوتها الساحر الأخاذ وعذوبتها ورقتها. 

ولدت ليلى مراد، واسمها الكامل ليليان زكي مراد موردخاي، لأسرة يهودية من ناحية والدها، ووالدتها جميلة سالمون روشو، لكنها اندمجت داخل المجتمع المصري آنذاك، الذي لم تكن له حساسية تجاه باقي الديانات الأخرى، كما أن يهوديتها لم تمنعها من دخول مدرسة الراهبات المسيحيات في صغرها، كما لم تمنعها من إشهار إسلامها سنة 1946، أمام شيخ الأزهر آنذاك محمود أبو العيون. 

عاشت ليلى مراد في أجواء الموسيقى والفن منذ طفولتها. فوالدها كان ملحنا وموسيقيا ارتبط بصداقات كثيرة مع كبار فناني مصر وأدبائها ومثقفيها، من بينهم الموسيقي سيد درويش الذي شاركه في تلحين أوبريت “العشرة الطيبة”، والموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي كان صديقا مقربا من الأسرة وكان له الفضل في إبراز نجم ليلى مراد، بعد أن شجعها على الغناء والوقوف أمامه في أول أفلامها “يحيا الحب”، للمخرج محمد كريم، الذي لم يكن مقتنعا بموهبتها في التمثيل، كما لم تعجبه شخصيتها. 

حصد الفيلم نجاحا كبيرا. وأعجب الجمهور بالشخصية الرقيقة والصوت الملائكي الساحر لبطلته ليلى مراد، التي أثارت اهتمام الفنان الكبير يوسف وهبي، والمخرج اليهودي توجو مزراحي، اللذان اقترحا عليها بطولة ثاني أفلامها “ليلة ممطرة” سنة 1939. 

توالت نجاحات ليلى مراد الغنائية والسينمائية، خاصة بعد تعاملها مع الممثل والمنتج أنور وجدي، نجم السينما المصرية آنذاك، الذي شاركته بطولة فيلمهما “ليلى بنت الفقراء”، الذي تزوجا مباشرة بعده، لكن حياتها معه عرفت الكثير من الاضطرابات والمشاكل، بسبب الغيرة الشديدة لأنور، خاصة من محمد عبد الوهاب، الذي كانت ليلى تحبه قبل زواجها، إضافة إلى جشعه، إذ حرمها من أرباح أعمالها وكان يستولي عليها كلها، كما أراد احتكارها ومنعها من التعامل مع غيره. 

غنت ليلى مراد، التي لقبها الجمهور ب”صوت الحب”، حوالي 1200 أغنية، أشهرها “أنا قلبي دليلي” و”ليه خليتني أحبك” و”اسأل عليا” و”يا أعز من عيني” و”الحب جميل” و”الدنيا غنوة” و”ماليش أمل”، تعاملت فيها مع كبار الملحنين حينها مثل محمد فوزي الذي كان صديقًا مقربا لها، ومحمد عبد الوهاب الذي اكتشف موهبتها، إضافة إلى القصبجي ورياض السنباطي وزكريا أحمد،  كما لعبت بطولة العديد من الأفلام التي بصمت تاريخ الفن في مصر، مثل “ليلى بنت الأغنياء” و”ليلى بنت مدارس” و”بنت الأكابر” و”عنبر” و”سيدة القطار” و”المجنونة” و”غزل البنات” و”شاطىء الغرام”… وغيرها من الأعمال الناجحة التي جعلتها تتربع على عرش قلوب المصريين الذين أطلقوا عليها “سندريلا السينما المصرية”، وهو اللقب الذي كانت أول من حمله، سنوات طويلة قبل الفنانة سعاد حسني. 

اعتزلت ليلى مراد الفن بعد مسيرة لم تتجاوز 20 سنة. كانت في السابعة والثلاثين من عمرها. وكان آخر أفلامها “الحبيب المجهول” سنة 1955. وهو الاعتزال الذي قيل عنه الكثير، لكن الرواية الأقرب إلى العقل والمنطق، هي أن اعتزالها كان اضطراريا، بعد أن توقف المنتجون عن طلبها واستغنوا عنها خوفا من مجلس قيادة الثورة المصرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، خاصة أن ليلى مراد عرفت بدعمها الكبير وعلاقتها الطيبة بالرئيس الأسبق محمد نجيب، أول رئيس لمصر بعد الثورة، الذي انقلب عليه عبد الناصر. 

قبلها، عانت كثيرا بسبب الشائعة التي طالتها، والاتهامات التي وجهت لها بالولاء لدولة إسرائيل والتبرع لحكومتها، مما تسبب في منع إذاعة أغانيها، قبل أن يثبت أن الأمر بعيد تماما عن الحقيقة. 

ماتت ليلى مراد، صاحبة أعلى أجر في تاريخ السينما المصرية، والممثلة الوحيدة التي حملت عناوين أفلامها اسمها، فقيرة معدمة، سنة 1995، بعد أن ظلمتها الدنيا والحسابات السياسية التي لم تكن تتقنها، مثل غيرها من الفنانات اللواتي استطعن التلون حسب ألوان التيار  الرابح، لكن التاريخ أنصفها وخلد اسمها وكتبه بمداد من ذهب. 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*