ولد الشيخ العفريت في حي اليهود بتونس العاصمة سنة 1897. لكن أصوله تعود إلى قرية أمازيغية صغيرة بمنطقة سوس بالمغرب، نواحي أكادير، حيث رأى والده سلام روزيو النور قبل أن يهاجر إلى تونس ويلتقي بستوري خلفون، اليهودية الليبية التي ستصبح زوجته وأم ابنه إيسران إسرائيل، الذي عرف بالشيخ العفريت.
لقبه أصدقاءه وعشاق فنه بالشيخ العفريت، لتمكنه من أصول الموسيقى والغناء ولقدرته على الأداء التي لا يضاهيها أداء إنسي، فالعفريت تعني “الجني” في دارجة أهل المغرب العربي، ولقدرته على الارتجال وأداء أصعب الطبوع التونسية وكتابة الكلمات والأشعار.
عاش الشيخ العفريت طفولة صعبة، عنوانها الفقر والحرمان. فبعد أن هجر والده الأسرة الصغيرة عائدا إلى مسقط رأسه المغرب، اضطر إيسران إلى الخروج إلى العمل صغيرا. وبدل أن يتعلم ويدرس، كان يبيع الحلويات والمخبوزات التي كانت تحضرها والدته، لجيران الحي والأحياء المجاورة.
بدأت أسطورة الشيخ العفريت حين سمعه أحد عشاق الفن وهو يدندن أغاني تراثية، أثناء عمله في طحن البن بإحدى المعامل التقليدية، وانبهر بقوة صوته وخامته المتميزة، فشجعه على الغناء في السهرات والحفلات الخاصة، ومن هناك بدأت مسيرة نجاحه. كان حينها يبلغ من العمر 18 سنة فقط. قبلها كان يغني في المعابد اليهودية ويردد الأناشيد والتراتيل الدينية.
أحب الشيخ العفريت الموسيقى والغناء من والدته التي كانت تحترف الغناء قبل زواجها بوالده، وظل يسمعها في طفولته وهي تعيد غناء أعمال تراثية ليبية حفظها عن ظهر قلب. لكنه سيتعلم الموسيقى على أصولها على يد فنانين يهود أكبر منه سنا وتجربة، قبل أن يعلنوه “شيخًا” متمكنًا وسنه لم يكن يتجاوز حينها العشرين سنة.
كان الشيخ العفريت سابقًا لعصره. وكان ذكيا ويعرف متطلبات وقته آنذاك، لذلك لم يبق أسير أغاني التراث و”المالوف” التونسي، بل انفتح على الأغنية الخفيفة ذات الكلمات البسيطة الشعبية التي لا تخلو من جرأة، وعلى الإيقاعات الراقصة والجمل اللحنية “الفرايحية”، ليصبح بذلك، نجم الأعراس والحفلات والمطلوب رقم واحد فيها، إلى أن أصبح الفنان المفضل لباي تونس، الذي كان يبعث إليه سيارته وحرسه الخاص ليحيي حفلات قصره.
توفي الشيخ العفريت في أريانة سنة 1939، بعد معاناة طويلة مع مرض السل الذي أصابه، مخلفا وراءه حوالي 480 أغنية يتغنى بها كبار الفنانين إلى اليوم، من بينها “يا فاطمة” و”يا ناس هملت وعملت رحلة” و”زوجني يا بابا” و”حسناء جارتي” و”عين سودا” و”في الشط تعوم” و”سيدي خويا” و”هزي حزامك” و”زوز صبايا” و”تسفر وتتغرب” التي صنعت اسمه ونجاحه، وأغلبها أغان أعاد أداءها بصوته الجبار الفنان اليهودي الجزائري سليم الهلالي.
قم بكتابة اول تعليق