عبد الرحمان اليوسفي… رحيل ذاكرة وتاريخ

شكلت وفاة عبد الرحمان اليوسفي، صدمة حقيقية للشارع المغربي والساحة السياسية. فالرجل، رغم اعتزاله العمل السياسي منذ حوالي 16 سنة، ورغم أنه بلغ من العمر عتيا، ورغم الاختلافات حوله وحول الدور الذي لعبه، خاصة بعد قيادته ما يعرف بحكومة التناوب، إلا أنه ظل يحظى بحب وتقدير واحترام المغاربة، وعلى رأسهم جلالة الملك محمد السادس، الذي اعتاد أن يزوره شخصيًا في فترات مرضه، ونقلت وسائل الإعلام صورته الشهيرة وهو يقبل رأيه في المستشفى، كما سمى شارعا في طنجة باسمه. 

ولد عبد الرحمان اليوسفي في الثامن من مارس سنة 1924 بعروس الشمال طنجة. تابع دراسته الثانوية بمدرسة مولاي يوسف بالرباط، وحصل على الإجازة في القانون وعلى دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية. 

مارس اليوسفي المحاماة. وانخرط في صفوف الحركة الوطنية وهو في سن 19، وحارب ضد المستعمر الفرنسي وكان له دور كبير في مد المقاومة بالسلاح، كما يترك في تنظيمها وإدارتها، وفي تنظيم جيش التحرير بعد نفي الملك محمد الخامس، لذلك أطلق عليه لقب “المجاهد”.

كان اليوسفي شغوفًا بالسياسة. انخرط في صفوف حزب الاستقلال سنة 1943، قبل أن ينشق عنه ويؤسس سنة 1959، رفقة أصدقائه ورفقاء درب النضال المهدي ابن بركة ومحمد الفقيه البصري والمحجوب بن الصديق وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم، حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي سيصبح فيما بعد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. 

كان من أشد المعارضين لنظام حكم الملك الراحل المغفور له الحسن الثاني. اعتقل مرات عديدة بتهم مختلفة واختار النفي في فرنسا مدة 15 سنة كاملة بعد صدور حكم غيابي عليه بالإعدام ضمن ما كان يعرف بمحاكمات مراكش، قبل أن يصدر عفو عنه سنة 1980، عاد بعده إلى أرض الوطن، قبل أن يشد الرحال من جديد نحو فرنسا، احتجاجًا على التلاعبات التي طالت الانتخابات التشريعية لسنة 1993. 

سيعود اليوسفي، بضغط من زملاءه سنة 1995، ليتولى الأمانة العامة لحزبه، تمهيدًا للمصالحة الكبرى مع نظام الحسن الثاني، الذي أوكل إليه قيادة حكومة التناوب الأولى لإنقاذ المغرب من ما أسماه الملك الراحل ب”السكتة القلبية”. كان الملك الحسن يقترب حينها من النهاية وأراد بذلك أن يضمن انتقالا سلسا للحكم لابنه الملك الجديد محمد السادس. 

عين وزيرا أول في فبراير 1998، واستمر في مهامه إلى سنة 2002، وهي السنة التي اعتزل فيها العمل السياسي احتجاجًا على خروج المغرب عن المنهجية الديمقراطية، بعد أن عين جلالة الملك محمد السادس، ادريس جطو، التقنوقراطي،  وزيرا أول على رأس حكومة كان يفترض أن يقودها الاتحاد الاشتراكي الذي حل في المرتبة الأولى في الانتخابات. 

غاب شيخ الاتحاديين عن الساحة السياسية في المغرب، رافضا التحدث أو الإدلاء بتصريحات صحافية، مكتفيا بإصدار كتابه “أحاديث في ما جرى”، الذي لم يشف غليل المتتبعين، ومفضلا الرحيل في صمت، دون الكشف عن عديد من الأسرار التي كان بإمكانها إعادة تشكيل تاريخ المغرب الحديث. 

رحل اليوسفي صباح الجمعة 29 ماي 2020، عن عمر ناهز 96 سنة، دون جنازة عظيمة تليق به كواحد من صناع التاريخ والذاكرة السياسية المغربية، بعد أن تزامن رحيله مع زمن الكورونا اللعين.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*