العربي باطما… مجذوب “الغيوان”

لم يكن العربي باطما، فنانا عاديا، كأيها الفنانين. لقد كان مهووسا ومجنونا بحب التراث، عاشقا للموسيقى والإيقاعات المغربية المتنوعة، وعابدا متنسكا في محراب الفن. 

هو واحد من مؤسسي المجموعة الأسطورية “ناس الغيوان” وواحد من أهم أعضائها و”مجذوبها” الذي منحها أجمل الأشعار وأعذب الألحان الموسيقية. 

كان باطما قريبا من الشعب، متواضعا، رغم ما بلغه من مرتبة استثنائية في عالم الفن والشهرة. ظل ذلك الولد البسيط، ابن الفلاح الذي ينحدر من “ولاد بوزيري” نواحي مدينة سطات، الذي تربى وترعرع في الحي المحمدي، حي الفن والثقافة والموسيقى والنضال. 

ولد العربي باطما سنة 1949، لعائلة بدوية فقيرة اضطرت إلى الانتقال من الشاوية إلى مدينة الدار البيضاء، حيث عمل والده في السكة الحديدية مستخدمًا بسيطًا. لم تكن إمكانيات الأسرة تسمح للعربي باستئناف الدراسة، لذلك خرج إلى العمل باكرا. اشتغل حارس سيارات وعمل في العديد من المهن البسيطة والصغيرة، لكنه في المقابل، كان حريصا على ارتياد النوادي المسرحية في الحي، إذ التحق بجمعية “رواد الخشبة” في الستينيات قبل أن ينضم إلى المسرح البلدي، تحت إشراف الفنان المسرحي الكبير الطيب الصديقي، الذي كان له فضل كبير في اكتشاف مواهب الرجل وباقي أعضاء فرقة “ناس الغيوان”. 

عشق العربي باطما التراث من والدته حادة، التي كان لها الفضل في إلهامه مجموعة من روائع الأغاني الغيوانية، كما كان متعدد المواهب، يجيد، إلى جانب الغناء بصوته “العروبي” المليء بالإحساس والشجن، كتابة الزجل والتمثيل والكتابة. 

إلى جانب الدور الكبير والهام الذي لعبه ضمن مجموعة “ناس الغيوان”، كتب العربي العديد من القصص التي لم تنشر، كما كتب سيناريوهات أفلام مثل “جنب البير” ومسرحيات “لهبال في الكشينة” و”هاجوج وماجوج” و36″ و”العقل والسبورة”، إضافة إلى روايتين “خناتة” و”رحلة إلى الشرق”، وقصيدة زجلية طويلة “حسام همام” لم يمهله الموت لإتمامها، ثم سيرته الذاتية في جزءين، “الرحيل” ثم “الألم” التي أكملها أياما قليلة قبل وفاته في 7 فبراير 1997، متأثرًا بمرض السرطان الذي أصيب به في التسعينات، لتفقد “ناس الغيوان”، ومعها المغرب كله، أسطورة فنية بامتياز، لن يكررها الزمن، ولو بعد قرون.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*