شامة الزاز… سيدة “العيطة” الجبلية

بأحد دواوير المغرب العميق بتاونات، رأت شامة الحمومي النور سنة 1953 وسط عائلة فقيرة تعيش على الرعي وما جادت به الأرض بدوار روف بجماعة سيدي المخفي. لم تتمكن، مثل الكثير من النساء من جيلها، من متابعة دراستها، بسبب بعد المسافة بين الدوار والمدرسة، إضافة إلى العنف الذي كان يعاملها به معلمها، فما كان من عائلتها إلا أن درجتها وعمرها لا يتجاوز 14 سنةً، من أجل التخلص من أعباءها، رغم أن العريس كان رجلا مسنا في سن جدها، سرعان ما رحل إلى الدار الأخرى، بعد أقل من أربع سنوات من الزواج، تاركا شامة أرملة في عز شبابها، تعول ولدين، أحدهما مريض مقعد. 

كانت شامة، مثل العديد من النساء في منطقتها، يرفهن عن أنفسهن في الغابات والوديان والجبال أثناء البحث عن الحطب أو رعي الغنم أو غسل الملابس، بغناء ومواويل مرتجلة تسمى “أعيوع”، كن يتناقلنها عبر الأجيال. مواويل مليئة بالشجن، تحكي حياة الكد والفقر والمعاناة. ونظرا لجمال صوتها وبحته المميزة، صارت مطلوبة في الأعراس والأفراح والمناسبات الصغيرة، وهكذا بدأت مسيرتها الفنية التي تمتد اليوم على مدار أربعين سنة، متخفية تحت العديد من الأسماء المستعارة، خوفا من غضب عائلتها المحافظة، قبل أن يعرفها المغرب كله باسم شامة الزاز. 

كان لقاؤها مع محمد العروسي، شيخ الطقطوقة الجبلية، أكبر الأثر والفضل في انتشار اسمها، خاصة في منطقة الشمال، إذ شاركت إلى جانبه في العديد من الاحتفالات والمناسبات والسهرات التلفزيونية، كما سجلت أكثر من ستين شريطا وقرصا غنائيا وأصبح اسمها مرتبطا بفن “العيطة” الجبلية، فلقبها الجمهور بأيقونة الطقطوقة الجبلية وبنجمة الشمال. 

رغم شهرتها ونجاحها، لم تفارق شامة الزاز دوارها. ولم تفاوض يوما على ثمن إحياء عرس أو حفل ختان أو عقيقة. ظلت تكتفي بالقليل وتعيش حياتها البسيطة رفقة أبقارها، بعيدة عن صخب المدينة وضجيجها. وهي اليوم ترقد في أحد مستشفيات مدينة تاونات، بعد أن تدهورت حالتها الصحية بسبب إصابتها بمرض القلب، تنتظر من يمد إليها يد المساعدة في هذه المحنة التي تنضاف إلى محنة التهميش الذي تعرضت له في زمن نجوم “اليوتوب” والمواقع الاجتماعية. 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*