لا يعتبر بوشعيب البيضاوي شيخا “عياطا” فقط أبدع في أداء “المرساوي”، أو ممثلا كوميديا ثائرا على التقاليد والعادات في مجتمع ما قبل الاستقلال، بل أسطورة فنية سيخلد اسمها التاريخ لأجيال وأجيال.
ولد بوشعيب البيضاوي، واسمه الحقيقي بوشعيب زبير، سنة 1928 بحي بوسبير الشهير بالمدينة القديمة للدار البيضاء. ذاق مرارة اليتم في سن صغيرة، وعاش طفولته رفقة شقيقته التي كانت بمثابة والدته. حظي بقسط لا بأس به من التعليم جعله يتقن اللغة الفرنسية، لغة المستعمر آنذاك، كما درس الحسابات، مما مكنه من الاشتغال في مكتب محام فرنسي، قبل أن يشرف على تسيير مصبنة، كانت بمثابة محرابه الفني، حيث كان يلتقي العديد من الفنانين مثل البشير لعلج وأحمد البيضاوي ولمفضل لحريزي، أبناء الحي نفسه الذي ترعرع فيه، والذين كان يردد أمامهم مقطوعات من فن “العيطة” التي كان يعشقها، مثلما كان يرددها أمام زبناء المصبنة من الأعيان وكبار العائلات البيضاوية، التي كانت تدعوه إلى حفلاتها، حيث تعرف على العديد من رواد فن “العيطة”.
كان البيضاوي شديد الإعجاب بالشيخة “الرونو” اليهودية المغربية، كما كان يردد أغاني الشيخات الرائدات، مثل الشيخة الرويضة والشيخة البهلولية المزابية، ويتقنها أيما إتقان، مما جعل الفنان لحبيب القدميري يقترح عليه الانضمام لفرقة “الكواكب” المسرحية التي كان يرأسها البشير لعلج. ومعها، بدأت مسيرته نحو النجومية والشهرة، بعد أن برع في أداء دور المرأة في الأعمال التي كانت تقدمها الفرقة، في سابقة من نوعها في مجتمع عربي مسلم لا يتسامح أبدا مع أي خدش للرجولة، قبل أن يطل على الجمهور من خلال البرنامج الأسبوعي “اضحك معي”، ثم يأسر المغاربة ببراعته في أداء اللون “المرساوي” (أحد أنواع فن العيطة الذي كان معروفا في الدار البيضاء)، إلى جانب صديقه عازف الكمان المتميز الماريشال قيبو، الذي أسس رفقته فرقته الخاصة وكان أول من شجعه على مسيرة في “العيطة”.
أصبح بوشعيب البيضاوي أشهر من نار على علم، وأصبح مطلوبا في حفلات وأعراس ومناسبات علية القوم من مدينة الدار البيضاء، بل وقف أمام الملك الراحل المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه وغنى ومثل في حضرته، في حفل كبير بمناسبة تأسيس مسرح محمد الخامس بالرباط.
في عز العطاء، أصيب بوشعيب البيضاوي بسرطان أوقف مسيرته الفنية وجعله زبونا دائما لدى “العشابة” والمستشفيات، قبل أن يسلم الروح سنة 1965، وعمره لا يتجاوز 37 سنة، تاركا غصة في قلوب جمهوره ومحبيه وعشاق فنه، الذين لم يصدقوا رحيله.
قم بكتابة اول تعليق