آيا صوفيا معلمة من أجمل وأروع المعالم التاريخية والأثرية في مدينة إسطنبول التركية. جمعت بين عراقة وأصالة الهندسة البيزنطية الرومانية بحكم أنها كانت كنيسة أرثوذكسية شرقية، يتوج فيها البيزنطيون أباطرتهم، وجمال العمارة الإسلامية بحكم تحولها إلى مسجد في عهد السلطان العثماني محمد الفاتح الذي اشتراها من حرّ ماله وجعلها وقفا على المسلمين في شتى أنحاء العالم، ليحولها العلماني كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة العلمانية، سنة 1935 إلى متحف، يقصده السياح والزوار، مسلمون ومسيحيون ويهود، وحتى من لا ديانة له، من مختلف أنحاء العالم. ويتجاوز عددهم أربعة ملايين زائر في السنة.
بنيت كاتدرائية “آيا صوفيا”، التي يعني اسمها “مكان الحكمة المقدسة”، سنة 523 م على أنقاض كنيسة كان قد أسسها قسطنطين العظيم، وذلك بأمر من الإمبراطور جستينيان، الذي كان شديد الإعجاب بها إلى درجة كان يردد أن النبي سليمان، الذي كان يسخر الجن لبناء الصروح والأبنية العظيمة، لم يأت بمثلها، مثلما أشارت إلى ذلك العديد من المراجع التاريخية.
تحولت الكنيسة، التي صممت من حجر البازلت المقبب والرخام والفسيفساء ويبلغ طولها 100 متر وارتفاع قبتها 55 مترا، إلى مسجد، بعد دخول المسلمين القسطنطينة (إستنبول حاليا) سنة 1453، حين لم يجدوا فضاء يصلون فيه، فغطوا صورها ورسوماتها ونقوشها المسيحية وأضافوا إليها مخطوطات بالخط العربي واتخذوها جامعا إسلاميا، ورفضوا هدمها لجمال معمارها، بعد أن اشتراها سلطانهم الفاتح من الرهبان الأرثوذكس.
استخدم في بناء الكنيسة، التي أدرجت قبل سنوات على لائحة “اليونسكو” للتراث العالمي، الرخام الملون وفسيفساء الذهب والفضة والحجارة الملونة والزجاج والقرميد.
احترقت مباني الكنيسة، التي يمتد عمرها لأكثر من 1500 سنة، أكثر من مرة عبر التاريخ، لتخضع بعدها إلى الترميم، كما تعززت عبر الفترات الزمنية التاريخية التي عاشتها، بكنائس صغيرة وحجرات لرجال الدين ومآذن ومنبر ومحراب إلى أن اتخذت شكلها الحالي كتحفة معمارية فريدة من نوعها في العالم بأسره.
أثارت “آيا صوفيا” أخيرا جدلا كبيرا بسبب رغبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تحويلها إلى مسجد من جديد، تتم تغطية رسوماتها بتقنيات حديثة في أوقات الصلاة، وتفتح أبوابها أمام السياح خارج تلك الأوقات.
قم بكتابة اول تعليق