الأكل الكوشر: هل يستطيع المغرب إطعام سياحه الإسرائيليين؟

من المتوقع أن يُسفر التعزيز القادم لخطوط الطيران بين المغرب وإسرائيل عن قدوم بين 100 ألف و120 ألف سائح إسرائيلي خلال هذه السنة الجارية وحدها. ومن المرتقب أن يصل العدد إلى 200 ألف سائح خلال السنتين القادمتين. ويبقى هذا العدد رهينا بتطور جائحة كوفيد-19 وبحملات التلقيح الجارية. وحسب النادي المغربي لإدارة السفر، فإن اختيار المغرب كوجهة يرجع لأسباب عائلية أو شخصية ل30 في المائة من السياح، ولأسباب مهنية (عمل، مؤتمر…) ل50 في المائة منهم، في حين تنوي البقية القدوم في إطار زيارات جماعية لأهداف دينية.

وفي هذا الصدد، تعتبر وزيرة السياحة، نادية فتاح علوي، أن ارتفاع عدد الزيارات الإسرائيلية فرصة لنمو القطاع. ويبقى تحدي مقدمي الخدمات السياحية هو ضمان عرض يستجيب للمطالب الخاصة لهؤلاء السياح الجدد، لا سيما فيما يتعلق بالأكل الكوشر. ورغم أن الطائفة اليهودية المحلية تستعد لاستقبال السياح الإسرائيليين وتوسيع إنتاج الأكل الكوشير، لا يزال كل شيء على عاتق أصحاب الفنادق والمطاعم.

وصرحت نادية فتاح علوي مؤخرا قائلة: “سمعت أن العديد من الإسرائيليين ذهبوا إلى دبي بعد توقيع اتفاقيات السلام”، وأضافت مصممة: “لست متفاجئة، لكنني أنوي وضع المغرب على رأس لائحة وجهاتهم المفضلة، مع هدف تخطي دبي”.

وفي الوقت الراهن، وحدها الطائفة اليهودية المغربية مستعدة لاستقبال السياح الإسرائيليين، حيث تعمل على توسيع إنتاج الأكل الكوشر، لا سيما بتحضير البنيات التحتية الضرورية لإيواء الإسرائيليين على مقربة من مواقع التراث اليهودي.

ويقول رئيس الطائفة اليهودية في الرباط، هنري أبيكزر: “إذا كانت الوزيرة تتحدث عن عدد سياح يبلغ 200 ألف، فأنا أتوقع أكثر من 500 ألف. فالمغرب يتوفر على مكون يهودي في تاريخه وثقافته. وهو البلد الذي يحج فيه اليهود إلى مختلف الجهات التي يتواجد بها العديد من الأولياء”. ومن هنا تظهر أهمية التحضير الجيد لاستقبال هؤلاء السياح، كما وضح ذلك مُحاورنا.

وتحتكر الطائفة اليهودية للدار البيضاء على سلسلة الإمدادات فيما يتعلق بالأكل الكوشر. وهو نشاط لا يكفي حاليا سوى للطلب المحلي، إذ يشير أبيكزر إلى أنه “باستثناء الدار البيضاء التي يوجد فيها عدد كاف من الجزارين والممونين والمطاعم الكوشر، فالمدن الأخرى تجد صعوبة في ضمان التزود بالأكل في هذا المجال”. وفي الرباط، على سبيل المثال، توفي الحاخام الوحيد الذي كان مكلفا بالذبح، جراء إصابته بفيروس كورونا. وينضاف إلى ذلك اختفاء محلات الجزارة الكوشر، وبالتالي فيهود الرباط مجبرون على استدعاء حاخام الدار البيضاء للإشراف على الذبح. ويضيف أبيكزر: “يجب أن يستعد قطاع السياحة. ففي دبي، أنشأت المطاعم مطابخ كوشر، مما مكّن من استقطاب أكثر من 70 ألف يهودي في دجنبر المنصرم”.

وبالموازاة، فإن شوفي أسياڭ، صاحبة المطعم الكوشر الوحيد في مراكش، متفائلة فيما يتعلق بالتوسع القادم في قطاع الكوشر. “دائما ما كانت المملكة تستقبل الكثير من اليهود وكانت هناك العديد من الطلبات بحكم أنه يجب علينا أن نأكل كوشر. في الحقيقة، إن العرض هو الذي أنشأ الطلب. فقد كنت أدرس إدارة الفنادق، ثم جاءتني فكرة فتح مطعم كوشر. كان العديد من الناس يقولون لي أن الأمر مستحيل، خصوصا أن الطائفة اليهودية المغربية في مراكش لا تتجاوز 39 شخصا”. وهو وضع لم يكبح نشاط صاحبة المطعم التي أضافت أن “80 في المئة من زبنائنا يهود لأنه من المفروض عليهم أن يأكلوا كوشر. ولكن بما أننا نتواجد في غيليز، فيأتي سياح ومغاربة غير يهود كذلك”. ولإمداداتها باللحوم الكوشر، تعتمد صاحبة المطعم على مجازر الدار البيضاء، لأنها الوحيدة التي تتوفر على شهادة “تيودا”. وأضافت شوفي أسياڭ أنه “يوجد حوالي 5 مجازر تتوفر على طابع كشروت وهي التي يمكننا أن نشتري منها اللحم”.

أما على مستوى الفنادق، فإن الأكل الكوشر يكاد أن يكون منعدما. ويفضل منظمي الرحلات الذين يتكلفون بالحج أن يخصصوا فنادق ويتكفلوا بتوفير الأكل الذي يحترم المعايير الدينية لزبنائهم. وهي ميزة لهذه الشريحة، تجعل من المنظمين المغاربة بعيدين كل البعد عن إتقان هذا النشاط، مما قد يثير بعض المخاوف مستقبلا.

ودفع هذا المنظور بالمجلس الجهوي للسياحة بمراكش-آسفي، بشراكة مع المكتب الوطني المغربي للسياحة في نيويورك، إلى تنظيم رحلة إعلامية لصالح الصحفي المستقل والمدون الرقمي “كوشر غورو” ولصحافية  من الإعلام المهني. وتخللت هذه الرحلة محطات مهمة، من بينها الرباط والدار البيضاء و فاس ومراكش والصويرة نظرا لأن هذه الجولة التعليمية تدخل في إطار الترويج للوجهة لدى الطائفة اليهودية الأمريكية. ولذلك، سيشارك المدون الرقمي، المعروف بخطط سفره الجيدة وكذا بشغفه بالأكل، تجربته الثقافية والمطبخية.

ورغم هجرة معظم أبناء الطائفة اليهودية المغربية إلى إسرائيل، أو إلى دول الأخرى، إلا أنها حافظت على عاداتها وتقاليدها كما هي. وهذا ينطبق أيضا على الممارسات الغذائية القائمة على الأكل كوشر.

ويجب أن تكون الأضاحي من الثدييات المجترة ذات حوافر مشقوقة، ولا يأكل اليهود لحم الحصان، بالإضافة إلى الأجزاء السفلية من جسم الحيوان، وبعض الشحوم والأنسجة العضلية والأوردة.

ويشرف على عملية الذبح زعماء دينيون معينون من طرف الطوائف اليهودية، حيث يسهر الحاخامات أولا على أن يحترم الذبح قواعد الصحة والنظافة. ويتوجهون إلى كل المذابح للمصادقة على الأضحية والتحقق من تطبيق الشحيطة، أي طقوس الذبح اليهودية التي تتم عن طريق قطع عنق الأضحية لجعلها نظيفة وطاهرة للاستهلاك.

وتباع اللحوم الكوشر بأثمنة أعلى مقارنة مع المجازر الإسلامية، علاوة على أنها تعتبر إحدى أنواع الأكل الأكثر قداسة لدى اليهود. وقبل أن تطهى، تغسل بحذر للتخلص من كل الدماء.

وتفرض الرخص أو “الهشريم” الموجهة للمطاعم الكوشر على هذه المؤسسات على أن تأخذ بعين الاعتبار شروط إضافية. وبذلك، لا يمكن للمطعم أن يعمل يوم الشابات أو في الأعياد، ويجب التفريق بين مطابخ الحليب ومشتقاته ومطابخ اللحوم، كما لا يمكن خلط الأطباق. في بعض الحالات، يجب على عالِم قواعد الكشروت أن يتحقق يوميا من أواني الطبخ. وهذا ما يجعل العديد من المطاعم تقدم أطباقا يهودية تقليدية دون أن تكون كوشر. ولا زالت الطائفة اليهودية المغربية قادرة على تأمين إمداداتها من اللحوم إلى حد الساعة، لكن تبقى قدرة الإنتاج الحالية بعيدة عن إمكانية احتمال طلب 200 ألف سائح في السنة. ومن هنا تتجلى ضرورة  خلق شراكة بين عاملي القطاع ومجالس الطوائف اليهودية لتكييف عروضهم مع قواعد الكشروت.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*