يعتبر “الصوصيص” واحدا من الأكلات الخفيفة الحاضرة بقوة في المائدة المغربية. وهي أكلة مكونة من اللحم المتبقي من الحيوانات المذبوحة، يتم فرمه وإضافة التوابل والبهارات إليه وضغطه طوليا في غلاف جلدي مكون من أمعاء هذه الحيوانات بعد تنظيفها جيدا ونقعها في الملح، ويمكن تناوله مقليا أو مشويا أو إضافته إلى بعض الأطباق مثل “البيض بالخليع” أو العدس أو الكسكس أحيانا.
تقول بعض الروايات إن أصل “الصوصيص”، الذي يعرف لدى المغاربة ب”المركاز” أيضا، يعود إلى الأندلس، قبل أن ينتشر في بلدان المغرب العربي، (المغرب والجزائر وتونس وليبيا)، ثم نحو باقي بلدان العالم. وقد ذكر في العديد من نصوص الحسبة والطبخ والطب الأندلسية تحت مسميات منها “المرقاس” و”المركاس” و”المرقاص”، كما ورد ذكره في نص للمؤرخ التونسي ابن أبي دينار، جاء فيه “في شهر مايو، فإنهم (أهل تونس) ينفقون فيه أموالا لا تحصى ويتفاخرون فيه بالأطعمة الفاخرة التي لا توصف ويكثرون من الإنفاق فيه ويجتهدون في صناعة المرقاز حتى لا يخلو منه إلا مساكن الضعفاء”.
أما أولى الإشارات إلى هذا الطبق، فوردت تحت اسم “المركاس”، في كتاب “أنواع الصيدلة في أنواع الأطعمة”، الذي يعود إلى العصر الموحدي وكتبه كاتب مجهول، إذ اعتبره غذاء سريع الهضم، قبل أن يقدم بعد ذلك طريقة تحضيره وإعداده.
لكن المغاربة، لم يكتفوا بتقديم “الصوصيص” محشوا باللحم المفروم، الذي كان حكرا على العائلات الميسورة، بل أعدوه بالباذنجان بدل اللحم، ليصبح في متناول الفقراء أيضا، وهي الوصفة التي وردت في الكتاب المذكور سابقا.
ويرجح أن تكون شعوب البحر الأبيض المتوسط تعرفت على هذا الطبق، من خلال الرومان الذين أسسوا إمبراطورية تمتد من حدود المشرق العربي إلى شمال إفريقيا، وحملوا معهم تراثهم الثقافي والاجتماعي ومن ضمنه الطبخ، خاصة بعد تكريس وجودهم مع تدمير قرطاج في 149 قبل الميلاد، وبناء مستعمرات على طول جغرافية المنطقة إلى حدود وليلي وشالة.
قم بكتابة اول تعليق