“المعقودة”… “طبق الفقراء”

يصنف طبق “المعقودة” في خانة أكلات الشوارع. وهو طبق استمد شعبيته الواسعة من كلفته البسيطة وسهولة تحضيره، إذ يعتمد على البطاطس فقط التي يتم خلطها مع بعض التوابل، ويمكن أن تضاف إليها بعض المكونات البسيطة مثل الجبن أو البيض، لذلك تلقب ب”أكلة الفقراء”. وقد ارتبط بشكل وثيق بمدينة فاس، حيث يعتبر واحدا من الأطباق الأكثر شهرة في المدينة، منذ قديم الزمان.

وعرف المغاربة، طريقة إعداد “المعقودة” قبل ألف سنة من اليوم، إذ كانت تحضر عن طريق سلق البطاطس وتقشيرها ثم إعادة تشكيلها أقراصا، ثم وضعها في سائل خاثر مكون من الدقيق والماء والبيض أو الزنجبيل أو “القزبر والمعدنوس”، لتقلى بعد ذلك في الزيت. وهي الطريقة نفسها التي ذكرت في كتاب “أنواع الصيدلة في ألوان الأطعمة”، لكاتبه المجهول من العصر الموحدي، حيث نجد أن هذه الطريقة استعملت كذلك في إعداد طبق الباذنجان، قبل أن يستبدله المغاربة بعد ذلك بالبطاطس، المتوفرة على مدار العام، والسهلة في التخزين، لتصبح، بالتالي، أكلة “المعقودة” جزءا أساسيا من مطبخ المغاربة، ومن مطبخ الشارع أساسا، حسب ما صرح به هشام الأحرش، الباحث في الأطعمة، في عدة مقالات على صحف ومواقع إلكترونية. ويعتقد الباحث نفسه أن الأمر متعلق أيضا بما أسماه محمد حبيدة، في كتابه “المغرب النباتي”، ب”الاندماج المطبخي” حين اعتبر أن مسلسل أكل الأطعمة وتطويعها واستجابتها للذوق العام، يكون من خلال الاعتياد على بعض الأكلات؛ فتندمج (أي هذه الأكلات) بكيفية تدريجية في النسق المطبخي الاعتيادي. وبهذا المفهوم، تغيرت وظيفة بعض النباتات البرية من طعام قحطي إلى طعام اعتيادي، على النحو الذي تظهره أوراق الرجيلات (البقولة والرجلة) التي اكتسحت الأذواق، خاصة في المدن، حيث أضاف إليها الناس الزيتون والليمون الحامض، وأصبحت أكلا شهيا مع مرور الزمن حتى اليوم. فإذا كان المغاربة تعاملوا مع الطعام القحطي المرتبط بالمجاعات، فما بالك بالبطاطس، أو خبز الفقراء، مثلما وصفها العاهل الفرنسي لوي السادس عاشر.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*