إميل دوركايم… عالم الاجتماع الذي كاد يصبح حاخاما

يعتبر إميل دوركايم واحدا من مؤسسي علم الاجتماع الحديث، إن لم يكن المؤسس الرئيسي له، رفقة عدد من المفكرين على غرار كارل ماركس وماكس فيبر. ولد سنة 1858 بمدينة إبينال بمنطقة اللورين الفرنسية لعائلة متواضعة من أصل يهودي، ذات تاريخ حاخامي عريق، لذلك كان متوقعا أن يصبح حاخاما كبيرا مثل والده مويس الذي توفي وعمر الابن لم يصل إلى العشرين، مما جعله يتحمل المسؤولية صغيرا.

رغم دراسته الابتدائية في مدرسة دينية “يشيفا”، إلا أن دوركايم نشأ علمانيا، عكس والده وأجداده الحاخامات، لكنه كان حريصا على الحفاظ على علاقته بعائلته وبالشعب اليهودي عموما، لذلك لم يكن مفاجئا أن يكون من المدافعين عن الضابط اليهودي دريفوس، الذي اتهم بالتجسس لصالح الألمان.

عرف دوركايم بالانضباط الشديد. وكان تلميذا نجيبا منذ سنوات دراسته الأولى، مما أهله للالتحاق بمدرسة الأساتذة العليا، التي تعتبر من أرقى وأفضل المؤسسات التعليمية في فرنسا، حيث جايل وصادق مثقفين واعدين من عيار جون جوريس، الذي سيصبح قائد الحزب الاشتراكي الفرنسي، وهنري برغسون، كما كان قارئا نهما للكتب والفلسفة التي اكتشف عوالمها وانبهر بها بفضل الفيلسوف أوغست كونت، الذي كان له أعظم الأثر في توجه دوركايم نحو علم الاجتماع.

تتلمذ على يد دوركايم نخبة من الباحثين الذين اتبعوا مدرسته في علم الاجتماع القائم على العلاقة بين الفرد ومجتمعه، بعيدا عن النظريات الأنيقة والجامدة، والتي وضع لها صاحبها منهجا علميا مستقلا قائما على النظرية والتجريب في نفس الوقت. وقد عرف عنه تسامحه مع الطلبة الذين كانوا يذهبون إلى معارضته أحيانا، رغم أنه صاحب الفضل في أن يصبح هذا العلم تخصصا قائما بذاته في فرنسا، مما أدى إلى التوسع في دراسة القوانين والاقتصاد واللغويات وعلم الأعراق البشرية والتاريخ والفن.

خلف دوركايم، قبل وفاته سنة 1917، سنة فقط بعد مقتل ابنه الوحيد في البلقان، العديد من المؤلفات من بينها “حول تقسيم العمل الاجتماعي” الذي ساهم في شهرته الكبيرة، و”قواعد المنهج في علم الاجتماع” و”الانتحار” و”الأشكال الأولية للحياة الدينية”…

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*