قصبة لوداية… عبق التاريخ

“قصبة لوداية”، التي يعرفها الرباطيون ب”القصبة”، واحدة من أعرق الأحياء والمواقع التاريخية في العاصمة وفي المملكة ككل. شيدت في عهد الدولة المرابطية لتكون بمثابة حصن عسكري يصد هجمات الأعداء قبل أن يتخذها الموحدون بعدهم رباطا أطلقوا عليه اسم “المهدية”، وجعل منها السلطان الموحدي يعقوب المنصور مخزنا للسلاح والعتاد، ومن هذا الرباط استمدت العاصمة اسمها، ليستوطنها في بداية القرن السابع عشر، الموريسكيون المطرودون من الأندلس، لذلك تحمل دروبها وأزقتها أسماء عائلات موريسكية استقرت فيها بعد سقوط غرناطة، وأعلنتها دويلة مستقلة عن المغرب أطلقت عليها إمارة أبي رقراق، نسبة للنهر الشهير الذي تطل عليه، وهي الدولة التي كانت تعيش على مداخيل الميناء والقرصنة، وكانت شاهدة على فترة مضطربة فقدت فيها الدولة المغربية سيطرتها على كامل ترابها. 

وعرفت القصبة، التي تم تصنيفها من طرف منظمة “اليونيسكو” تراثا إنسانيا عالميا سنة 2006، العديد من الترميمات والإصلاحات في عهد الدولة العلوية التي حافظت على الكثير من معالمها الأثرية، من بينها السور الموحدي والباب الكبير والجامع العتيق، وأضفت عليها معالم أخرى مثل المخازن التي تعلو “ساحة الملوحة” والأسوار الرشيدية والقصر الأميري، و”برج الصقالة” الذي صممه المهندس الشهير محمد الإنجليزي، لتصبح معلمة تختزل قرونا من التاريخ والتعايش بين مختلف مكونات المغاربة. 

ترتدي بنايات القصبة ألوان الأبيض والأزرق وتشبه أسوارها تلك التي تركها الموريسيكون المطرودون في مدنهم وقراهم الأندلسية، وكذلك معمارها ونقوشها. أما اسمها “لوداية”، فنسبة إلى القبيلة الصحراوية التي سكنت القصبة وأدمجت ضمن الجيش العلوي للدفاع عنها ضد هجمات القبائل المجاورة.

“قصبة لوداية” هي أيضا فضاء سياحي بامتياز. فهي تضم متحفا بناه المولى إسماعيل يضم العديد من الأزياء والآلات الموسيقية والمجوهرات القديمة، إضافة إلى حديقتها المزينة بالورود ونافورات المياه، ومقهاها الشهير المعروف بتقديم الشاي المغربي الأصيل. كما أنها مجاورة لموقع شالة التاريخي الذي بناه الرومان ولمسجد حسان وضريح السلطان الراحل المغفور له محمد الخامس. 

“قصبة لوداية” قبلة أيضا لجميع الفنانين والشعراء والموسيقيين، الذين يجدون في فضاءاتها ومقاهيها وأسوارها مادة يستهلمون منها أجمل إبداعاتهم.  

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*