سينما ريالطو… ذاكرة مدينة 

يتذكر البيضاويون القدماء، سينما ريالطو وسط المدينة، التي كان يقصدها عشاق الفن السابع، ذات زمن جميل مضى، لمشاهدة آخر الأفلام العالمية والهندية والمصرية، والتي كانت بمثابة تحفة معمارية حقيقية، قبل أن تحولها أيادي الزمن إلى مجرد قاعة مهجورة، تباع في المزاد العلني، بعد خلافات بين الشركاء.

تعتبر سينما ريالطو، المحادية للسوق المركزي الشهير بالعاصمة الاقتصادية، أو “مارشي سونترال” لدى أبناء المدينة، واحدة من أقدم القاعات السينمائية في المغرب. تأسست سنة 1929 من قبل مهندس معماري فرنسي شهير، يدعى بيير جابان، صممها لتحتضن، في الوقت نفسه، عروضا مسرحية، إلى جانب عروض الأفلام.

تخلف ريالطو وراءها تاريخا مجيدا يجعلها رمزا ثقافيا وفنيا وحضاريا بامتياز. فقد استضافت فنانين كبار، واحتضنت حفلات افتتاح وعروضا أولى لأفلام عالمية، كما وقف على منصتها نجوم عالميون مثل الأسطورة الفرنسية إديث بياف والفنان الفرنسي الكبير من أصل أرمني شارل أزنافور والممثلة الأمريكية جوزفين بيكر التي غنت سنة 1943 أمام الجنود الأمريكان الذين دخلوا مدينة الدار البيضاء في إطار ما يعرف بعملية “الشعلة” أو “طورش”، التي تدخل في إحدى مناورات الحرب العالمية الثانية.

تحتضن سينما ريالطو 1300 مقعدا، سواء في القاعة الرئيسية أو “الشرفة” (بالكون) التي تتميز بها السينما، والتي تعتبر معلمة من معالم عمارة الفن الزخرفي و”الأرديكو” الذي كان من بين أجمل ما خلفه الاستعمار الفرنسي بالعاصمة الاقتصادية، والتي جعل منها مزارا سياحيا يقصده السياح الأجانب أو القادمون من مدن أخرى، حتى بعد اندثار ثقافة مشاهدة الأفلام في السينما وتراجعت أعداد القاعات السينمائية التي ما زالت على قيد الحياة. لكن ظلت سينما ريالطو عصية على النسيان، قدرها الخلود.

قرار بيع سينما ريالطو بالمزاد العلني، أثار غضب العديد من الفعاليات الثقافية والفاعلين في المجتمع المدني بالدار البيضاء، الذين اعتبروا الأمر إجهازا على واحدة من أشهر القاعات السينمائية التي يفتخر بها أبناء العاصمة الاقتصادية وعلى آخر ما تبقى من صروح الفن والإبداع بهاته المدينة التي زحف الإسمنت المسلح على فضاءاتها وأحياءها التي كانت فخرا لأبناءها وبناتها.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*