الطربوش المغربي… حكاية رمز حضاري

اختلف المؤرخون والباحثون حول أصول الطربوش المغربي، بين قائل إن المغاربة ارتدوه منذ قديم الزمان، وتعود أصوله إلى الحقبة المورية، حسب الآثار النقدية التي وجدتها الحفريات في منطقة “ليكسوس” (العرائش حاليا)، وبين قائل إنه عثماني الأصل، دخل إلى المغرب مع الجيوش التركية، وعرف خارجه باسم “فاس”، باعتبارها المدينة التي كانت تصدر أكبر كميات منه خارج حدود البلاد، ولذلك نجده في العديد من البلدان الأخرى، التي احتلتها الإمبراطورية العثمانية، خاصة في منطقة الشام، ومصر ودول البلقان، إلى جانب باقي بلدان المغرب الكبير مثل تونس والجزائر. بل إن الأتراك ظلوا يرتدونه ويعتبرونه غطاء الرأس الوطني لبلادهم، إلى أن أمر مصطفى كمال أتاتورك بإلغاءه في 1925، واستبداله بالقبعة الأوربية، بعد قيام الدولة العلمانية.

ورد ذكر الطربوش في العديد من المراجع التاريخية وكتب الرحالة، وعلى رأسهم الحسن الوزان، المعروف بليون الإفريقي، إضافة إلى شمس الدين المقدسي، الذي تحدث عنه في أحد كتبه واصفا إياه بأنه يشبه طاقية مصنوعة من اللباد الأحمر، أو الدبلوماسي الفرنسي لوي شينيي الذي أشاد بجودة صناعته التي لم يستطع أحد من دول الجوار أن ينافسه فيها، في إشارة إلى الطربوش التونسي. 

الطربوش المغربي أحمر اللون في الأصل، رغم أن ألوانا مستجدة ظهرت عليه في السنوات الأخيرة مثل الأزرق والأصفر، تتدلى من خلفه خيوط حريرية سوداء على شكل مخروط. ويمكن صناعة أشكال متعدد منه، كل واحدة منها تصلح لمناسبة معينة، إذ هناك الطربوش المثلث، وهناك الأسطواني. 

يعتبره المغاربة رمزا ثقافيا وإرثا يفتخرون به ويحرصون على ارتداءه في المناسبات الكبرى، مثل الأعراس وحفلات الختان والأعياد الدينية، مصحوبا بالبلغة والجلابة التقليدية، ولو أن ارتداءه تراجع اليوم كثيرا، لكن لا يكاد يخلو بيت مغربي منه. وأصبح حكرا أكثر على علماء الدين وأجواق الطرب الأندلسي والملحون، أو على المسؤولين والوزراء الذين يحرصون عليه في بعض المهام خارج المغرب أو في بعض المناسبات الهامة مثل افتتاح البرلمان، أو حفلات البيعة، وعلى رأسهم الملك محمد السادس، الذي ظهر به أكثر من مرة. 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*