دبدو… القدس الصغيرة

استقر اليهود في دبدو في بدايات القرن 15، قادمين إليها من الأندلس، هاربين من محاكم التفتيش الإسبانية. وتقول الروايات التاريخية إن حاخاما يدعى داوود كوهين كان أول المستقرين بالمنطقة التي تحولت إلى أكبر تجمع لليهود السفارديم بعد ذلك، خاصة القادمين منهم من فلسطين، والذين استقروا حول نبع ماء وفير وعين أطلقوا عليها “سبيلا” تيمنا بمدينة إشبيلية، موطنهم الذي طردوا منه. لذلك تأثرت المنطقة بعاداتهم وحرفهم ومعيشهم وحتى مطبخهم، (المنطقة المغربية الوحيدة تقريبا التي تشتهر بخبز الرقاق اليهودي)، إلى درجة أن عدد اليهود في نهاية القرن 19 كان يفوق بأضعاف مضاعفة عدد المسلمين الذين أصبحوا يشكلون أقلية فيها، حسب ما ذكره الرحالة والمستكشف الفرنسي شارل فوكو خلال زيارته التاريخية إلى دبدو في 1884. 

تعتبر دبدو من أقدم المدن التاريخية في المغرب. وكانت مفتاح الحكم فيه وبوابة لبسط النفوذ الأجنبي من الجهة الشرقية، بل كانت صمام الأمان في مواجهة الغزو العثماني، هي التي شيدت في أحضان قلعة من بقايا المرور الروماني. 

ذكر اسمها في العديد من المراجع التاريخية، من بينها كتاب “وصف إفريقيا” لحسن الوزان، أو ليون الإفريقي كما يعرف في الغرب، والذي أكد أنها مدينة قديمة أسسها الأفارقة وعمّرها المرينيون الذين جعلوا منها معقلا لأحد فروع قبيلتهم. وإلى اليوم ما تزال آثارهم شاهدة على دخولهم المدينة، ومن بينها “القبة المرينية”. ذكرها المؤرخ ابن خلدون أيضا في كتابه “ديوان المبتدأ والخبر”، حين وصف لجوءه إلى جانب أصحابه، إلى جبالها بعد أن تعرضت قافلتهم لهجوم قطاع الطرق.  

تفصل الروايات التاريخية بين مدينتين في دبدو. واحدة علوية قديمة فوق الجبل، يطلق عليها “القصبة”، والثانية سفلية، هي التي شيدها اليهود بعد وصولهم إلى المنطقة. 

تخرج من المدينة العديد من الحاخامات ورجال الدين اليهود الذين كتبوا حولها الكتب، ووصفوها بأنها “إشبيلية الجديدة” و”مدينة الكوهانيم” و”القدس الصغيرة”. كما رأى النور فيها عدد من الأسماء المعروفة من بينهم بول مارسيانو، مصمم الموضة المعروف ومؤسس علامة “غيس” الشهيرة، إضافة إلى ابن عمه رجل السياسة سعاديا مارسيانو.  

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*