يختلف الباحثون في أصل كلمة كناوة، بين من يؤكد أنه ينحدر من كلمة كينيا أو غينيا، وهي المنطقة التي أتوا منها إلى المغرب، ومن يرجعه إلى “قناوة”، من كلمة قن، وتعني عبد باللغة العربية، ومن يقول إنه اسم أمازيغي مشتق من كلمة “أكناو” التي تعني بالأمازيغية، أرض الرجل الأسود، كما تعني كذلك الشخص الذي ينطق بكلام غير مفهوم.
ينحدر كناوة من سلالة من العبيد الذين كانوا يقطنون منطقة كانت تسمى إمبراطورية غانا، وهي حاليا دولة مالي، قبل أن يصلوا المغرب في نهايات القرن السادس عشر، قادمين من تومبوكتو، ضمن قوافل الذهب والعبيد، لينتشروا في عدد من المدن المغربية ويندمجوا ضمن المجتمع المغربي بمختلف أطيافه.
كناوة موجودون في مكناس والرباط ومراكش والقصر الكبير وغيرها، لكن معقلهم يوجد بمدينة الصويرة، التي كان ميناؤها صلة الوصل والتبادل التجاري بين المغرب وإفريقيا، وكانت محطتهم الأولى قبل أن يتفرقوا على باقي المناطق والقرى والمدن. إنها أيضا تحتضن مقامهم الروحي والذي يسمى زاوية سيدي بلال، مؤذن الرسول محمد الذي عانى من ويلات العبودية في الجاهلية، وهي الزاوية نفسها التي تحتضن الموسم السنوي للطائفة الكناوية.
يلعب كناوة موسيقى غريبة. تخرج من أعماق الروح ومن رحم المعاناة. يشبهها بعض النقاد والمهتمين بموسيقى الجاز أو البلوز التي عرف بها السود الأمريكيون. كلماتها غير مفهومة، تمزج أحيانا ببعض الأدعية والأذكار وتذكر فيها أسماء “الملوك”، لكن إيقاعاتها تخاطب الروح مباشرة، لأنها موغلة في الألم ومثقلة بالمأساة والشجن، أما الرقصات التي تؤدى على خلفيتها، فتعبير جسدي عن الرغبة في التحرر من سجن العبودية، وحكاية أليمة من الأساطير والمعتقدات القديمة، يقصها كناوة على جمهورهم وعشاق فنهم عبر “القراقب” و”الهجهوج” والطبول، ويدخلونهم في نوبة من الجذبة، لا يستفيقون منها إلا على صفاء أرواحهم وراحة أجسادهم.
ظل فن كناوة مهمشا لسنوات طويلة. واقترن في ذاكرة وأذهان المغاربة بالشعوذة والسحر والتسول والمس والأرواح، لكنه استطاع، مقابل ذلك، إغراء عدد كبير من جمهوره ومحبيه ومريديه، داخل المغرب وخارجه، من بينهم فنانون عالميون ألهمتهم موسيقى تاكناويت وتغلغلت في أعماق قلوبهم، من بينهم المغني الأمريكي جيمي هندريكس وفرقة ليد زيبلينغ البريطانية.
وإذا كان مهرجان كناوة الذي تحتضنه الصويرة كل سنة، بإشراف شخصي ودعم وتشجيع من المستشار الملكي أندري أزولاي، ويستقطب جمهورا من مختلف أنحاء العالم، أوصل هذا الفن إلى العالمية، فقد أتى الاعتراف الرسمي لمنظمة اليونيسكو، قبل أيام، بفن كناوة واعتباره واحدا من أوجه التراث الثقافي اللامادي للإنسانية، ليرد الاعتبار إلى هذا الإرث الفني الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من ثقافة وحضارة المغرب.
قم بكتابة اول تعليق