هي واحدة من أقدم الأصوات المغربية اليهودية التي سجلت أول أعمالها في العشرينات من القرن الماضي، مع شركات كبرى ورائدة في ذلك الوقت مثل “باطي” و”غرامافون”، حين كان صوت المرأة آنذاك يعتبر عورة ودخولها المجال الفني عيبا وعارا لدى المجتمع، وربما لذلك لم تعرف زهرة الفاسية باسمها الحقيقي، واكتفت بلقب “الفاسية”، نسبة إلى مدينة فاس، حيث أمضت جزءا كبيرا من حياتها ومنها انطلقت مسيرتها الفنية، غير بعيد عن مدينة صفرو، التي رأت فيها النور وسط عائلة يهودية عاشقة للفن والطرب.
عرفت زهرة الفاسية بإتقانها فن الملحون إضافة إلى “الشكوري” والغرناطي والتلمساني، إضافة إلى بعض الأغاني الشعبية التي كان يرددها المغاربة في تلك الفترة. وعرفت الشهرة بأغنيتها “حبيبي ديالي فين هو”، التي رددتها الكثير من الأصوات بعدها، سواء في المغرب أو في باقي بلدان المغرب العربي، وكان سليم الهلالي، الفنان اليهودي الجزائري، عاشق المغرب، أشهر من أعادها بصوته وعلى طريقته الخاصة.
وإضافة إلى الأغاني التراثية التي أعادتها بصوتها وأسلوبها الخاص، مثل أغنية “هاكا ماما” الشهيرة، لدى زهرة الفاسية ريبيرتوار لا بأس به من الأغاني، من بينها “يا محلى وصولكم” وحبك تلفني على شغالي” و”يا وردة” و”الغربة” و”زاد علي الغرام” و”شعلت النار” و”سعدي رين البارح” و”لمرا الحاكمة”، وهي كلها أغاني لا تخلو من جرأة غير معهودة من أنثى في ذلك الزمن.
ويرجع الفضل في اكتشاف صوت زهرة الفاسية إلى الفنان إبراهيم الباشا، جد الفنانة المغربية منى أسعد، حين انتقلت مغنيتنا، في الأربعينات، من فاس إلى الرباط، حيث استقرت وتزوجت للمرة الثانية من تاجر يهودي معروف بالعاصمة، بعد زيجة أولى أنجبت منها ولدان، لتحط الرحال بالمدينة القديمة للدار البيضاء حيث عاشت سنوات في درب “بوطويل” المعروف، واشتهرت لدى العائلات البورجوازية البيضاوية التي كانت جزءا لا يتجزأ من أعراسها وحفلاتها ومناسباتها الخاصة.
هاجرت زهرة الفاسية إلى فرنسا في بداية الستينات، ومنها إلى إسرائيل مع موجة اليهود الذين هاجروا المغرب نحو أرض الميعاد، حيث عاشت في أشكلون إلى نهاية حياتها، ونسيتها الساحة الفنية لسنوات طويلة قبل أن تعيد الفنانة الإسرائيلية نيتا الكيام، أغانيها الأصيلة، في محاولة منها للحفاظ على التراث الفني اليهودي الشرقي في إسرائيل.
قم بكتابة اول تعليق